بانوراما
5- أثار سيناء
الأربعاء، 30 سبتمبر 2009 - 12:00 ص
سيناء جزء لا ينفصم من حضارة وادي النيل ، لذلك فإن كل العصور التي مرت بها تلك الحضارة ( من فرعونية ، ويونانية / رومانية ، كل عصر من عصور التاريخ المصري العريق، ترك في سيناء وديعة و هدية .. من عصر الفراعنة الذين شيدوا معبد حتحور على جبل سرابيط الخادم في وسط سيناء.
إلى العصر الروماني الذي ترك العديد من الآثار عند الفرصا في سهل الطينة، و على شواطئ البحر المتوسط كالخوينات و الفلوسيات في البرد ويل.. ثم العصر المسيحي الذي شيد درة معمارية و أثرية هائلة في دير سانت كاترين و العديد من الديرة و الكنائس.
إلى العصر الاسلامى الذي ترك عشرات الآثار أبرزها القلاع العظيمة فى جزيرة فرعون عند طابا و فى العديد من بقاع سيناء.
إنها رموز تاريخية لعصور من الإبداع و العمران و الحضارة، شيدها الإنسان المصري على أرض سيناء، لتبقى شاهداً على قدرته و رغبته في البناء و حافزاً على أنتاج المزيد من أركان الحضارة و العمران.
وقبطية، و إسلامية، وحديثة ) لها وجود علي أرض سيناء .. فلكل عصر ودائعه ممثلة في مواقع أثرية عديدة . وبالإضافة إلي ذلك ، تتميز سيناء من الناحية التاريخية - الأثرية بميزتين أخريين هما : الطريق الحربي الكبير الذي يمر بها ومازالت آثاره باقية ، ثم المناجم الأثرية .. مناجم الفيروز والنحاس .. والتي تعد من أقدم المناجم في العالم . فهذان العنصران هما مدخل تاريخ سيناء ومفتاح لاستيعاب الخريطة الأثرية بها .
فالطريق الحربي الكبير وهو الطريق الساحلي الشمالي معروف منذ قبل عصر الأسرات الفرعونية .. ثم أضيف إليه الطريق الأوسط من رأس خليج السويس ماراً بنخل، ثم يصل إلي رأس خليج العقبة . فعلي هذين الطريقين تنتشر القلاع والحصون والمدن القديمة التي لا تزال آثارها باقية .
أما استغلال مناجم النحاس في سيناء ، فقد بدأ قبل ظهور الأسرة المصرية الأولي بمئات السنين ، حيث عرف المصريون القدماء هذا المعدن منذ حضارة البداري وكانوا يصنعون منه بعض أدواتهم البسيطة وحليهم . وبالإضافة إلي النحاس .. وكان التعدين في سيناء يشمل عنصرين آخرين هما : الملخيت (أكسيد النحاس ) الذي استخدم في الكحل وبعض أدوية العيون وكذلك لصناعة اللون الأزرق ، ثم حجر الفيروز وهو حجر نصف كريم يستخدم للزينة كما استخدمه المصريون بعد طحنه في عمل بعض المواد الخاصة بالتلوين .
المناطق الاثرية في شمال سيناء
لقد كان المصريون يأتون بهذه المواد الثلاثة من شبة جزيرة سيناء في عصر ما قبل الأسرات .. فكم من القرون مرت حتي أصبحوا يعرفون أسرار الصخور في سيناء ؟ وكم من القرون مرت عليهم حتي أصبحوا يحترفون فن صهر النحـاس وصنع الأدوات منـه أو عمل الحليات والعقود من حجر الفيروز ! .. فإذا أضفنا إلي ذلك أن المناطق التي استغلها القدماء للحصول علي هذه المواد تقع في الجزء الجنوبي من سيناء بين جبالها المرتفعة ، وأكثر مناطقها وعورة وندرة للمياه ... فكم ألف سنة قام المصريون بتعمير أنحاء سيناء قبل أن يصلوا إلي تلك المواقع ! ..
اتصلت مصر بالشاطيء السوري منذ أقدم العصور .. وجلب المصريون القدماء أخشاب الأرز التي تنمو علي جبل لبنان منذ عهد الأسرة الفرعونية الأولي علي الأقل .. حيث استخدموها في صناعة الأسطول المصري .. و كان الطريق إلي تلك البلاد بريا يبدأ من حصن سيلا قرب بلدة القنطرة شرق الحالية .. ثم يسير بعد ذلك متجها إلي شمال سيناء .. ويستمر محاذياً للشاطيء ثم يصل العريش ومنها إلي رفح ثم غزة .
هذا الطريق كان وما زال من أهم الطرق الحربية علي مر العصور .. وورد في النصوص المصرية باسم طريق " حورس " لأن حُورس كان اللقب الذي يلقب به كل فرعون .. وكثيراً ما سارت علي هذا الطريق جيوش الفراعنة عشرات المرات .. ولذلك شيدت عليه الكثير من الحصون المصرية خاصة في المناطق الاستراتيجية الهامة لتكون مراكز لجنود حراسة الطريق ومخازن الجيوش .
ويوجد من عهد الملك سيتي الأول من ملوك الأسرة التاسعة عشرة (1315 ق . م ) وثيقة هامة منقوشة علي أحد جدران معبد الكرنك فيها وصف تفصيلي لطريق حورس وصوراً للقلاع علي هذا الطريق وعددها 12 قلعة . . وقد حددت بداية الطريق عند القنطرة شرق (تل حبوة) حيث تم الكشف عن أكبر موقع فرعوني في شمال سيناء والذي عرف في المصادر الفرعونية باسم قلعة " ثارو " وهي المنطقة التي خرجت منها الجيوش لتأمين حدود مصر الشرقية بداية من عصر تحتمس الثالث .
ثم يتجه الطريق شمالاً علي مقربة من تل الحير وتل الحدوة (مجدول) ثم بئر رمانة (قرب المحمدية) ثم يتجه إلي منطقة " قاطية" ومنها إلي العريش ماراً بسبخة البردويل.. وبئر "مزار " قرب الفلوسيات ثم العريش ومنها إلي الشيخ زويد ثم رفح .
وقد ارتبطت بداية هذا الطريق بوجود فرع نهر النيل (الفرع البيلوزي القديم ) حيث يتضمن النقش الموجود علي معبد الكرنك صورة حصن علي ضفتي قناة تمرح فيها التماسيح وتنمو علي ضفتيها الأعشاب . وهكذا .. تقع جميع المناطق الأثرية الهامة في شمال سيناء علي مقربة من الشاطيء .. بل إنها جميعها (باستثناء قاطية) من الموانيء .. وارتبطت أهميتها بالطريق الحربي .. وقد ترك لنا الفلكي والجغرافي السكندري الشهير "كلوديوس بطلميوس" (90-168 م ) بيانا بأهم الموانيء التي كانت علي ذلك الشاطيء من الغرب . . ونظراً لزحف غرود الرمال في هذه المنطقة .. فقد اندثرت بعض آثارها خاصة وأنها كانت مراكز حربية معرضة للهجوم والتخريب دائماً .
أما أهم ما كشف عنه من آثارها فيتمثل في المناطق التالية :
تل الفــرما
يقع شمال قرية بالوظة علي طريق القنطرة - العريش عند مكان مصب الفرع البيلوزي القديم لنهر النيل .. وتسمي أحياناً > الفرما < وهو الاسم العربي للبلدة التي عرفت قديماً باسم بيلوزيوم .. وكانت أهم حصون الدفاع عن الدلتا من ناحية الشرق . وقد وقعت عندها معارك عديدة من أهمها المعركة التي وقعت بين جيوش المسلمين بقيادة عمرو بن العاصي وجيش الرومان في عام 640م . . ويدل تاريخ المدينة علي أنها قديمة جداً .. عرفها الفراعنة .. واليونانيون الذين نسبوا إليها اسم فرع النيل البيلوزي .. وعرفها الأقباط باسم فرومي .. ومنهم أخذ العرب اسم الفرما ... وقيل إنها وطن بطلميوس الفلكي الشهير .
الخوينات والفلوسيات
تقع هاتان المنطقتان علي ساحل بحيرة البردويل علي طريق القنطرة - العريش في موقعين قريبين من بعضهما البعض ، ويقعان حالياً ضمن محمية الزرانيق . وتضم الخوينات آثار مجموعة مبان متلاصقة وعثر بها علي عدد من شواهد القبور عليها كتابات باللغة اليونانية القديمة وعلي شكل آدمي . . أما الفلوسيات ، فتضم مجموعة من الكنائس ترجع إلي القرن الخامس الميلادي .. وقد ذكرها الجغرافيون الرومان باسم " استراسيني " . وتحتل الفلوسيات (تل الفلوسية) موقعا استراتيجياً هاماً .. حيث كانت مكان التقاء الشاطيء الذي يربطها بالفرما والطريق الحربي .. ولم يبق بها من الحصون إلا بقايا حصن الامبراطور جوستنيان الذي أقيم في القرن السادس الميلادي ناحية الشرق خوفاً من الفرس . . وقد أطلق عليها البدو اسمها الحالي لكثرة ما عثروا فيها علي نقود رومانية .
كـثـيـب القـلــــس
هو موقع قديم علي شاطيء البحر المتوسط شمال بحيرة البردويل وقد ذكرها بطلميوس تحت اسم كاسيوم . . عثر بها علي عدد من الأحجار عليها نقوش يونانية وشواهد لمبان أثرية من العصر الروماني.
تـــل قـاطــيــــة
يقع عند قرية قاطية بشمال سيناء وينتشر علي سطحه بقايا المباني الأثرية من العصرين الإسلامي واليوناني - الروماني ، وقاطية بلدة معروفة كثيرة النخل ذكرت في كتابات الرحالة المسلمين كثيراً .. وبها بئر ماء رممه إبراهيم باشا ابن محمد علي حاكم مصر في بداية القرن التاسع عشر .. ثم رممه الخديوي عباس عند زيارته للعريش وتضم آثار قاطية مسجداً من العصر العثماني ومنطقة صناعية وسوق المدينة.
تــل المحمــديات
يقع شمال شرق قرية رمانة علي طريق القنطرة - العريش ، به بقايا مبان أثرية ترجع إلي العصر اليوناني - الروماني حيث كان اسمها في ذلك العصر " جرها " وفيها حصن كبير من ذلك العصر يقع علي ربوة عالية قريبة من الشاطيء .. وهو عبارة عن قلعة أسوارها من الأحجار الكلسية البحرية وذات أبراج مستطيلة ومربعة وبها بعض المساكن من الطوب اللبن .. وهي من أهم المواقع الأثرية بمنطقة ساحل بحيرة البردويل .
عين القديرات
تقع في واد خصيب يروي بواسطة " عين القديرات "وتعكس الآثار المكتشفة أهمية هذه المنطقة ودورها المركزي في العصور الفرعونية المبكرة .. حيث أنشئت بها العديد من الحصون بقي منها : القلعة الوسطي : وهي ذات حوائط قوية وأبراج وخنادق . وهي مستطيلة الشكل 60 متراً * 40 متراً وجدران خارجية بسمك 4 أمتار وحولها 8 أبراج . .ثم الحصن الأخير : ولا تزال آثار حريقه ظاهرة . . كذلك عثر علي أعمدة من الجرانيت الأسود .. وكسر الزجاج والفسيفساء وقطع النقود من عصر الرومان والبيزنطيين والدولة الإسلامية الأولي .
آثار العريش والشيخ زويد ورفح
وهي آخر ثلاث نقاط علي الطريق الحربي ، أما العريش فهي مدينة مشهورة عند قمة وادي العريش .. وكانت منذ أقدم العصور ميناء مصريا هاماً ومركزاً استراتيجيا علي طريق حورس .. وأحد المراكز الرئيسية للجيش المصري خلال عصر الدولة الفرعونية الحديثة .. ولكن لم يبق من حصونها ومعابدها شيء يذكر .
وأهم ما بها الآن قلعة العريش ، بقي منها الآن سور مربع ارتفاعه نحو 8 أمتار وطول ضلعيه الشمالي والجنوبي 85 متراً والشرقي والغربي 75 متراً .. وفي اعلي السور ستة مزاغل لضرب النار .. وفي كل برج قبو لخزن القنابل . . وفوق باب القلعة نقشت بعض العبارات باللغة العربية مثل " وما النصر الا من عند الله" وعبارة " أمر بإنشاء هذه القلعة مولانا السلطان سليمان بن السلطان سليم بن السلطان بازيد ابن السلطان عثمان خلد الله ملكه وقوي شوكته وأعز دولته " . وقد اعتمد الاتراك علي هذه القلعة كثيراً في صراعاتهم حتي الحرب العالمية الأولي .
أما تل الشيخ زويد فيقع شمال مدينة الشيخ زويد الحالية .. وتنتشر عليه شواهد أثرية واضحة .. حيث عثر فيها علي آثار فرعونية من الدولة الحديثة وبقايا كنيسة من العصر المسيحي .
وأخيراً رفح وهي نقطة هامة علي الحدود بين مصر وفلسطين .. وتردد ذكرها كثيراً في نصوص الدولة الحديثة ولكن لم يبق من آثارها إلا بقايا من أحجار كنيسة مسيحية من القرن السابع الميلادي .
تـــل حــبــــــوة
يقع شمال شرق مدينة القنطرة شرق ، ومن أهم الآثار المكتشفة به قلعة فرعونية من عصر الدولة الحديثة (الملك سيتي الأول ) وتبلغ أطوالها 800 * 400 متر .. وهي مبنية من الطوب اللبن ، وبها عدد من الأبراج وتشبه مدينة محصنة ، حيث كشف حولها عن مخازن ومنازل ومئات القطع الأثرية والأختام بأسماء ملوك مصر تحتمس الثالث ورمسيس الثاني وغيرهم .
تل أبو صيفي
يقع جنوب مدينة القنطرة شرق .. ويشار إلي أنه كان موقع الحصن الروماني "سيلا" وتم اكتشاف قلعة بطلمية وأخري رومانية بها . . وسميت هذه المنطقة باسم التل الأحمر نظراً للون القرميد الأحمر الذي يميز بقايا مباينها وأحجارها الأثرية . وتوجد بها بقايا هيكل من بناء سيتي الأول ورمسيس الثاني للإله حورس وبقايا معسكر روماني وجدت به كتابات باللاتينية للامبراطورين ديومكيشيان ومكسيميان . . وفي عام 1907 عثر علي حجر عليه نص هيروغليفي وحجر طحن كبير .. كما عثر قرب القنطرة شرق علي حجر من الصوان الأحمر ملئ بالكتابة الهيروغليفية . كما عثر في عام 1911 علي بقايا جبانة قديمة بداخلها توابيت من الحجر عليها كتابات هيروغليفية .
قلاع الطريق الأوسط
إلي جانب الطريق الرئيسي الموازي للساحل الشمالي في سيناء فقد عرف طريق آخر يبدأ من رأس خليج السويس مباشرة إلي رأس خليج العقبة .. ماراً بوسط سيناء .. وهو المعروف باسم درب الحج حيث كان طريق الحجاج من مصر وشمال أفريقيا إلي مكة والمدينة المنورة . ولكن آثار هذا الطريق تدل علي أنه أيضاً كان ذا أهمية عسكرية بالنظر إلي عدد من القلاع الكبري التي تقع عليه أو بالقرب منه وأهمها : قلعة الجندي قرب سدر وقلعة السلطان الغوري عند نخل وقلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون عند طابا .
قلعـــة الجنـــدي
تقع هذه القلعة علي تل رأس الجندي الذي يصل ارتفاعه إلي 2150 قدماً فوق سطح البحر .. ويرتفع 500 قدم فوق السهل المنبسط المتسع حوله من كل الجهات . . والتل له شكل فريد ، وموقع حاكم يجعلانه هيئة طبيعية ظاهرة بالعين المجردة من علي بعد عدة كيلو مترات ومن يقف فوقه يكشف بالطبع أبعد من هذه المسافة .
ويرتبط بناء هذه القلعة بوقائع تاريخية .. فبعد أن استطاع صلاح الدين وشقيقه الملك العادل من احباط حملة خطيرة قام بها أمير الكرك" ريجنالد دي شايتلون " علي نقاط علي البحر الاحمر وخليج العقبة سعياً للقفز إلي مكة المكرمة والمدينة المنورة ، أدرك صلاح الدين أهمية وجود عسكري قوي وسط تجمعات البدو لضمان ولائهم من جانب وكحصن وسيط بين القاهرة وبين المواقع المتقدمة لدفاعات جيوش صلاح الدين .. فبدأ في تشييد هذه القلعة في عام 1183 م وتم البناء عام 1187 وهو المقابل للتاريخ الهجري المنقوش حتي الآن علي باب القلعة .
تخطيط القلعة : مبني قلعة صلاح الدين فوق تل الجندي مستطيل الشكل يتجة في اتجاهين شمال بشرق وجنوب بغرب وطرفها الجنوبي ينتهي بشكل نصف مسدس الاضلاع .. ويتراوح ضلع القلعة ما بين 150 - 200 متر طولاً وأوسع عرض لها يبلغ مائة متر .. وسمك سور القلعة الخارجي يبلغ مترين أما أركانها فقد قويت بدعامات قوية .. وقد ضمت القلعة في داخلها غرفاً صغيرة لرجال الحامية وشيدت في فنائها عدة مبان لاغراض مختلفة منها ردهة مسطحة (50*60 متراً) عمقها خمسة أمتار تحت مستوي الارض وربما كانت مخزنا للمؤن .. وكذلك مسجد بدون سقف جداره الشرقي به قبله عليها كتابة منقوشة للبسملة ومسطح المسجد 6 *12 متراً .. ويوجد كذلك صهريج مياه منحوت في قلب التل يحتوي علي خزان أبعاده 6 * 10 * 5.5 متر .. مازالت جدرانه جيدة وله فتحتان لادخال وسحب المياه .
قلـعـة نـخـــــل
وتقع علي هضبة عالية بمدينة نخل قرب الطريق الدولي بوسط سيناء . وقام ببنائها السلطان المملوكي قنصوة الغوري عام 1516 قبل هزيمته علي يد الأتراك العثمانيين ببضعة شهور . والقلعة عبارة عن بناء مربع الشكل وبها خمسة أبراج وبنيت من الحجر المنحوت . وقد قام السلطان مراد الثالث العثماني بترميمها عام 1594 ونقش علي بوابتها الرئيسية عبارة " مولانا السلطان مرادخان عز نصره " وتتميز قلعة نخل بموقعها الاستراتيجي علي المناطق المحيطة من كل الاتجاهات .
قلعة صلاح الدين
تمثل قلعة صلاح الدين الايوبي علي جزيرة فرعون في سيناء قيمة تاريخية وأثرية كبيرة .. حيث لعبت هذه القلعة الشامخة دور الحارس الأمين للشواطيء العربية في مصر والحجاز والأردن وفلسطين علي حد سواء ، وأسهمت في درء الأخطار العسكرية أثناء الصراع الصليبي - العربي ، حيث كانت مصر الإسلامية تمثل الدرع الواقي للعالم العربي والإسلامي أثناء ذلك الصراع . وقد بنيت هذه القلعة فوق هذه الجزيرة علي بعد نحو 60 كيلو متراً من مدينة نوبيع .. وعلي بعد نحو 8 كيلو مترات جنوب طابا لتكون قاعدة متقدمة لتأمين خليج العقبة من أية غزوة صليبية .
وقد كشفت الحفائر الأثرية أن هذه الجزيرة قد استخدمت لأغراض عسكرية في عصور قديمة عربياً ، ولكن المباني الباقية الآن فيها تعود إلي العصر الأيوبي عندما أمر صلاح الدين الأيوبي ببنائها عام 1170 م لتكون إحدي القلاع الهامة في صراعه مع الصليبيين. وتضم قلعة صلاح الدين مجموعتين من التحصينات : شمالية وجنوبية . كل منهما عبارة عن قلعة مستقلة وذلك عبر الاستفادة من تضاريس الجزيرة بشكل مثالي بحيث تم بناء القلعتين علي تلين ، الشمالي فيهما أكبر حجماً وأكثر تفصيلاً ، أما السهل الأوسط المحصور بينهما فقد أقيمت فيه المخازن والمسجد والغرف . ويحيط بالقلعتين والسهل الأوسط سور خارجي مواز لشاطيء الخليج في ضلعه الشرقي والغربي به ستة أبراج تطل مباشرة علي مياه الخليج . أما التحصينات الشمالية فإنها ترتفع وتتخللها الأبراج عند النهايات العليا للتل الشمالي . وتوجد بالأبراج التسعة فتحات لرمي السهام في ثلاثة اتجاهات . أما الأسوار السميكة فإنها تحتوي علي طرقات كانت تستخدم لوقوف الجنود خلفها لرمي السهام .
وتضم هذه المنطقة أيضاً مطاراً (برجاً) للحمام الزاجل حيث عثر الأثريون علي بعض الرسائل المتبادلة بين القاهرة والقلعة والتي نقلها الحمام الزاجل .
قلـعــة نوبـيــــع
وتعرف بطابية نوبيع ، وهي عبارة عن طابية صغيرة قامت ببنائها السردارية المصرية في عام 1893م وجعلتها مركزاً للشرطة من الهجانة لحفظ الأمن في تلك المنطقة . وللقلعة سور ومزاغل وباب كبير .. وداخل السور بئر ماء .. وكانت توجد بجانبها بضعة ألواح من الحجر يسكنها عائلات الشرطة .. وتقع علي بعد ميلين من معبد وادي العين شمالاً وهي المنطقة التي تسمي حالياً نوبيع الترابين .
المـنـاجم وآثار جنوب سيناء
اذا كان الطريق الحربى الكبير هو مفتاح تتبع المواقع الأثرية فى شمال سيناء .. فإن نشاط التعدين والمناجم هو مفتاح خريطة المواقع الأثرية فى جنوب سيناء . . فسيناء هى أقدم المناطق التى استغل فيها المصريون القدماء خامات النحاس والفيروز منذ ما قبل عصر الأسرات الفرعونية بوقت طويل . . وأهم موقعين من مواقع التعدين القديمة هما : المغارة وسرابيط الخادم .
المـغـــــــــــارة
يطلق اسم المغارة على جزء محدود من وادى قنية حيث يوجد الجبل الذى توجد فيه عروق الفيروز التى استخرجها المصريون القدماء . ومازالت توجد فى هذه المنطقة بقايا أكواخ العمال القدماء فوق أحد المرتفعات .. ويمكن تتبع جدرانها ولكن النقوش الهامة التى كانت قائمة لم تعد باقية هناك حيث نقل بعضها إلى المتحف المصرى بالقاهرة .. أو تحطم فى محاولات البحث عن الفيروز فى بداية القرن الحالى .
ســرابيط الخــادم
كانت منطقة سرابيط الخادم خلال الدولة الوسطى والدولة الحديثة أهم من المغارة .. وموقعها مختلف فالوصول إلى المغارة سهل والمناجم فى واد منبسط وعروق الفيروز ترتفع 60 متراً عن مستوى بطن الوادى ، أما سرابيط الخادم فإن طريقها بالغ الوعورة .. وهى فوق هضبة الصعود إليها صعب من جميع الجهات .. الآثار الموجودة بها وكذلك المناجم توجد فوق السطح المنبسط لتلك الهضبة العالية . وقد عثر فى هذه المنطقة على تماثيل عديدة تحمل أسماء الملك سنفرو من الأسرة الرابعة .. والملك منتوحتب الثالث والملك منتوحتب الرابع من ملوك الأسرة الحادية عشرة ونقش لكل من سنوسرت الأول واسم أبيه أمنحمات الأول . أما أشهر الآثار فى تلك المنطقة فهو معبد حتحور والنقوش السينائية الأخرى .
معـبــد حتحــور
وقد أقامه الملك سنوسرت الأول لعبادة الالهة حتحور "سيدة الفيروز" ثم شهد المعبد إضافات فى عصور تالية عديدة حيث بدأ المعبد بكهف حتحور المنحوت فى الجبل وهو قدس أقداس المعبد .. ثم شيدت أمامه حجرة أخرى تكريساً لحتحور ثم أضاف أمنمحات الثانى جزءاً لهذا البناء ثم تردد أسماء العديد من الملوك الآخرين فى المعبد مثل امنمحات الثالث والرابع .
وفى عهد الدولة الحديثة قام الملك أمنحتب الأول بإصلاح ما تهدم من الهيكل خاصة البهو المحمول على الأعمدة .. كما شيد هيكل " حنفية حتحور " الذى كان معداً لتطهير زوار المعبد .
وفى عهد تحتمس الثالث وحتشبسوت أضيفت عدة قاعات أمام قدس الأقداس .. ثم عدة قاعات تالية فى عهد ابنه أمنحتب الثانى .. وشيدت ستة حجرات فى عهد أمنحتب الثالث . والنقوش التى على هذه اللوحات وواجهات الصخر تحتوى على الابتهالات المعتادة للالهة .. ويبلغ مجموع النقوش التى عثر عليها فى سرابيط الخادم 387 نقشاً من الدولتين الوسطى والحديثة .. وهى لا تشمل نقوش المعبد بالطبع حيث كانت بعثات المناجم ترسل برئاسة موظف كبير لأن المناجم من أملاك الملك . فكانت النقوش تذكر اسم الملك ورئيس البعثة وكبار موظفيه .
النقوش السينائية
عثر على أول هذه النقوش عام 1905 .. ومع توالى البعثات العلمية تم العثور على 25 نقشاً مكتوبة بأبجدية ظلت غير معروفة إلى أن أثبتت الأبحاث العلمية أن هذه الحروف المعروفة باسم الأبجدية السينائية أو البروتو - سينائية إنما يرجع تاريخها إلى بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد .. وأن هناك علاقة بينها وبين الأبجديات السامية الشمالية والجنوبية .. فهى عبارة عن لغة كنعانية دارجة مع بعض التعديلات المتأثرة بالهيروغليفية أمكن قراءة نصوصها وأسماء بعض الآلهة عليها الأمر الذى رجح أن الذين كتبوها هم من الأسرى أو العبيد الساميين .. وكانوا يستخدمون عمالاً فى المناجم . ولهذه النقوش أهمية علمية وتاريخية كبيرة حيث أثرت هذه الأبجدية فى اللغة الفينيقية التى كانت هى الأصل الذى استمدت منه الأبجدية اليونانية معظم حروفها .. والتى اشتق منها بدورها معظم حروف اللغة اللاتينية أصل اللغات الأوربية الحية .
آثــــار الـطـــــــور
توجد أكثر من منطقة أثرية بمدينة الطور أبرزها منطقة الكيلانى والميناء التجارى القديم الذى تم الكشف عنه ويرجع إلى العصر المملوكى . كما عثرت البعثة اليابانية التى تنقب هناك على العديد من الآثار الهامة من الأدوات والعملات وغيرها والتى تعود إلى عدة قرون مضت .
وادى غـرنــدل
تقع هذه المنطقة على طريق السويس - الطور الرئيسى .. وعثر بها على آثار من العصر الرومانى لمبان من الطوب اللبن ، وأفران ومخازن وعدد كبير من القطع الفخارية والعملات البرونزية والقطع الزجاجية . والمنطقة بها بئر من العصر الرومانى .
دير سانت كاترين
يعتبر جنوب سيناء منذ العصور المسيحية الأولى أحد أهم مناطق الجذب للرهبان المسيحيين ، وقد أقام هؤلاء الرهبان العديد من الأديرة والكنائس فى أودية سيناء أشهر ما بقى منها دير طور سيناء المعروف باسم دير سانت كاترين .
ويقع الدير أسفل جبل سيناء ، فى منطقة جبلية وعرة المسالك حبتها الطبيعة بجمال آخاذ مع طيب المناخ وجودة المياه العذبة . وإلى الغرب من الدير يوجد وادى الراحة . وللدير سور عظيم يحيط بعدة أبنية داخلية بعضها فوق بعض تصل أحياناً إلى أربعة طوابق تخترقها ممرات ودهاليز معوجة . وبناء الدير يشبه حصون القرون الوسطى ، وسوره مشيد بأحجار الجرانيت وبه أبراج فى الأركان ويبلغ ارتفاع أسواره بين 12 و 15 متراً .. وتبلـغ أطـوال أضلاعـه 117 * 80 *77 *76 متراً تقريباً . ويعود بناء الدير إلى القرن الرابع الميلادى عندما أمرت الإمبراطورة هيلانة أم الامبراطور قسطنطين فى عام 342 م ببناء دير يحوى كنيسة عرفت باسم كنيسة العذراء عند موقع الشجرة المقدسة أو العليقة الملتهبة .. وفى القرن السادس الميلادى أمر الامبراطور جوستنيان ببناء كنيسة فى نفس هذه البقعة عرفت باسم كنيسة "التجلى".
وأهم مبانى الدير هى : الكنيسة الكبرى ، وكنيسة العليقة والجامع ، والمكتبة بالإضافة إلى قلايا الرهبان ومعصرة وطاحونتين ومخازن حبوب ومؤن وآبار للمياه .
- الكنيسة الكبرى : تقع فى الجزء الشمالى من الدير وتسمى أحيانا الكنيسة الكبرى أو الكاتدرائية .. وهى مشيدة على طراز " البازيلكا " الذى كان شائعا وقت بنائها عام 527م .. وقد عرفت فى عصر الامبراطور جوستنيان باسم كنيسة التجلى . . وبداخل الكنيسة صفان من الأعمدة .. وهى 12 عموداً تمثل شهور السنة . وعلى كل جانب يوجد 4 هياكل يحمل كل منها اسم أحد القديسين .
ورغم ما تعرضت له هذه الكنيسة فى مختلف العصور ، فإن الجزء الأكبر من سقفها ظل محفوظاً ، وتوجد بعض الكتابة القديمة على أجزاء منه من بينها : " لأجل تحية ملكنا التقى جوستنيان العظيم " .. ايها الرب الذى تجلى برؤيته فى هذا المكان احفظ وارحم عبدك " أتيين" وبانى هذا الدير " ايليسيوس" (اليشع) و" نونا " والأول هو أول من أشرف على الدير .. أما اليشع فهو المهندس المعمارى الذى شيده .. وربما كانت " نونا" زوجته .
وفى صدر الكنيسة حنية مستديرة حلى سقفها وجوانبها بالفسيفساء ... وهى أهم مافى الدير كله حيث انها من أشهر الفسيفساء المسيحية فى العالم كله . ولا يضارعها فى قيمتها الفنية إلا فسيفساء أياصوفيا فى استانبول . وتمثل هذه الفسيفساء مناظر من العهد القديم والعهد الجديد . والمنظر الرئيسى فيها يمثل السيد المسيح فى الوسط وعلى يمينه العذراء وعلى يساره موسى .. بينما بطرس مستلقيا عند قدميه وعلى الجدار يوجد منظران يمثل أحدهما موسى يتلقى الشريعة فوق جبال سيناء ، والثانى يمثل موسى وقد ركع أمام الشجرة .. وامتدت إليه من فوق لهيبها يد الله مشيرة إليه .
وتحت سقف هذه القبة والفسيفساء . . يوجد التابوت الذى وضعت داخله بقايا جثة القديسة كاترين داخل صندوقين من الفضة .. فى أحدهما جمجمة القديسة وفوق الصندوق تاج من الذهب المرصع بالأحجار الكريمة ويحتوى الآخر على يدها اليسرى .. وقد حليت بالخواتم الذهبية والفصوص الثمينة .. وفى الناحية الأخرى صندوقان كبيران من الفضة على كل منهما صورة القديسة كاترين وداخلهما هدايا ثمينة مما أهداه الملوك والموسرون إلى الدير .وفى كل مكان بالكنيسة تنتشر الأيقونات الجميلة ذات الأهمية التاريخية الكبرى حيث تعرض نحو 150 أيقونة من مجموع حوالى 2000 أيقونة من بينها أيقونات نادرة المثيل صنعت فى القرن السادس .. كما يعود جزء منها إلى أوائل العهد البيزنطى .. وقسم إلى الفترة من القرن الحادى عشر حتى الخامس عشر .
.. وتتدلى الثريات الثمينة حتى تبدو الكنيسة أشبه بمتحف للفنون .. أما أقدس مكان فى الكنيسة فيقع خلفها ويمكن الوصول إليه من الجانبين وهو هيكل الشجرة .. أى المكان الذى يعتقد أن موسى وقف فيه عندما تجلى الله له وخاطبه ..
- المسجد : أمام الكنيسة الرئيسية يوجد مسجد صغير بنى فى أيام الفاطميين تنفيذاً لرغبة الوزير أبو النصر أنوشطاقين فى عام 500 هجرية (1106م) حسبما هو مذكور على المنبر .. وذلك فى عهد الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله.
- المكتبة : يرجع الكثير من شهرة دير سانت كاترين إلى مكتبته الغنية بالمخطوطات وتقع فى الطبقة الثالثة من بناء قديم جنوب الكنيسة الكبرى .. وتضم المكتبة إلى جانب المخطوطات النادرة عدداً من الوثائق والفرمانات التى أعطاها الخلفاء والحكام للدير .. أشهرها ما يقال بأنه وثيقة من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعطى فيها الأمان للدير والرهبان .. والوثيقة على نحو ما يعتقد كتبها عمر بن الخطاب
ويبلغ عدد مخطوطات المكتبة نحو 6000 مخطوط نادر .. إضافة إلى نحو 2000 وثيقة وفرمان أعطاها الولاة للدير ومعظمها من العصر الفاطمى . إلى جانب ذلك يضم الدير معصرة لاستخراج الزيت من الزيتون .. وبئر ماء وشجرة العليقة ومخزن قديم للطعام وحوله حديقة واسعة بها حجرة للجماجم تجمع رفات الرهبان . . وفى أعلى جبل موسى كنيسة صغيرة يصعد إليها الزائرون وعلى مقربة منها مسجد صغير .
- نظام الدير : ونظام الرهبنة الحالى الذى يتبعه رهبان دير سانت كاترين هو نظام القديس باسيليوس الكبير (329 - 379 م) أحد تلاميذ الأنبا باخوم (290-348 م) .. حيث ينذر الراهب نفسه لحياة التقشف والعبادة مع العمل المشترك جنباً إلى جنب .